جميع حقوق النشروالمواد محفوظة للمؤلف/
د.محمد عبدالله محمد موسى. نشر هذا الفصل علي ستة أجزاء بين 1 أغسطس و15 سبتمبر 2015 علي صفحة "أطوار" بالفيسبوك و بلوجر
|
الجزء الأول من الفصل الثاني
"أه ه ه ه ه" تتعالى من كل ذرة في
كيانه الذي إستعاد ماديته فجأة وبالكاد علا صوته ميليمترات قليلة فوق أحباله
الصوتية من فرط الألم. صرخة بلا صوت. "شيء ما خطأ " يستفيق عقله من خمر
الألم شيء بشيء"ستة و ليسوا خمسة..... ياغبائي!! "يلوم نفسه و يود أن
يحرك جسده فلا يستطيع. مجرد تشنج أقرب لأرتعاشة لا تلاحظ في أطراف أصابعه و ذلك هو
محصلة مجهوداته. " خمس نقاط متصلين و غير مستقرين و النقطة السادسة ضرورية
للأستقرار" يأخذ نفسا عميقا و يزفره في بطء في محاولة منه لتصفية عقله لربما
أستطاع الحركة. "الهكساجون" الشكل السداسي اكثر أشكال الهندسة ثباتا و
كمالا لا ينافسه في ذلك سوي الدائرة الكاملة إن وجدت" يتذكر ذلك و يحاول أن يفتح جفنيه فيتحركا كأن وزنهما أطنان ولا
يقدر أن يفتحها. ثم يبدأ أن يدرك انه ملقى علي وجهه علي تربة مبتلة خشنة. جسده مبلل
تماما بسائل ما ومازالت حواسه مشوشة. "لم يكن ليتحرر" يقولها و قد قرر
ان يدع جسده يسترخي بعد معركته مع ذلك الكيان و يتذكر العديد من الأسماء"
لوسيفير جالب الضياء، هو السائر بالظلال ، نوسيفراتوا، بعلزبول، عزازيل، إبليس ستة
أسماء" قشعريرة باردة وهو يتذكر. "عدوك نفسك" ترن هذه الكلمة في
رأسه من ذلك الصوت الرهيب في الظلام و نظرة ذلك الكيان له في نشوة إنتصاره بعينيه
الحمراء و..... ينفض ذلك المشهد من ذاكرته. مايلبث أن يضحك بهستريا بداخله من فرط
سذاجته فالوضع أسوء من وجود شيطان ما "لقد أصبحت انا و هو جزء من حلقة
البنزين الجهنمية بعد أن خرجنا معا، كالتضاد لإبقاء التوازن فماديتي معناها أن
يكون كالأثير فلا يمكن تواجدنا في طور واحد بنفس المكان و الزمان كأننا المادة و
المادة المضادة فما أفقده يكتسبه هو" يتأفف و تتحرك شفتاه ثم تنطق بخفوت
"تبا". يقولها ثم يتمتم "وجوده متوقع لكن كيف تحرر؟" تستوعب
عينيه وجود ضوء خافت ونسيم نقي خفيف ومازال يشعر بذلك السائل يغطيه و مهلا أنه.يتحرك
و تنفتح عيناه علي ذلك المشهد الساحر لمصدر الضوء "قمر أزرق!" يقولها و
في إنبهار و رعب يستوعب الأمر الرهيب فذلك يغير كل شىء.........كل شيء
........................................................................................................................................................
"القمر بدر النهاردة" يرددها هلال
و هو يقود عربته الفيات 128 الخضراء علي الطريق الدائري إلي "إمبابة". ينظر من شباك للقمر و قد صار بدرا و قد أطل من
بين السحاب و الدخان و العشوائيات على إستحياء. يقودها بسرعة معقولة نسبيا وسط
عربات النقل ويأخذ نفس ثم يسعل بقوة و تسيل أنفه. "أبو شكلك يابهيم كحححححح
كحح!" يختنق و يقولها و هو غارق في دخان مقطورة نقل تصادف مرورها و قد أخرجت
جرعة مركزة من مسورة العادم التي في نفس مستوي الشباك الخاص بسيارة هلال. ثم مالت لتكسر
عليه الطريق و كادت تصدمه. فأر يسارع لمواجهة عملاق هذا هو وضع عربة هلال بجوار
المقطورة الثنائية مطلقة العادم. تسارع
الدم الي رأسه يغلي وهو يتصارع ليكون بجوار كابينة القيادة للمقطورة في مغامرة
بنسبة 99.99% وخيمة العواقب هدفها إطلاق سبة بذيئة للسائق و الهرب او للإختباء
بجوار مقطورة أخرى.
فجأة يتوقف الطريق ويمضي الجميع ببطء شديد. فيغتاظ
هلال لعدم قدرته علي إشفاء غليله ويهدأ قليلا. السير بطئ و سيارة هلال تمشي بسرعة سلحفاة التى تعاني من البواسير. ووسط دخان
العوادم و حرق القمامة والمخلفات الزراعية و الزحام الخانق و الحر و أصوات الأفيال
عذرا أصوات نفير العربات النقل وإن كان ذلك هو إنطباع من يسمعها لأول مرة يبتسم
هلال رغما عنه و هو يسمع أغنية "فيها حاجة حلوة" ثم يقهقه و تحمر أذناه
وأنفه. "اه يا بلد ناسية ماضيكي و حارقة حاضرك و مضيعة مستقبلك" و يزفر
في حرقة ويبتسم و هو يتذكر وجها معينا لفتاة سمراء تلك الفتاة بالصورة مع زوجته.
أبتسامتها الصافية، و عيونها الكحيلة السوداء و أنفها المستقيم المتناسق بحواجبها
الدقيقة و مرحها الدائم."روح العائلة بكل معانيها......وحشتيني" يتخيلها بالسيارة بجوار زوجته بالخلف و هما
يبتسمان في مرح ظهيرة ذلك اليوم.الموعود. و تعتلي غصة مرة حلقه و عينه قد بدأت
تغرق فى الدموع و يقول"معرفتش أنساكي يوم"تعتلي ظهره قشعريرة باردة و هو
يتذكرها بنشاطها ذلك اليوم ملابسها البسيطة الأنيقة و العملية. يتلاشي ذلك المشهد و تتلاشي هي و تعبيرات وجهها تذوب
بين يديه و تستقر عليه إبتسامة غريبة. جسدها يسكن وسط ضجيج ميدان التحرير و الدماء
تتدفق من ثقب كبير علي اليسار من قلبها ثم .......يطير شىء أسود ضخم و يقترب من
زجاج السيارة الأمامي يجعله يجفل و يعود الي أرض الواقع بغتة."شكلي عملت دماغ
من دخان الزبالة " يقولها و قد غرق في عرق بارد ثم ينظر "الظل....يخربيت
دماغي" يقولها فهو لم يكن سوي كيس فارغ
ضخم . يضع يده علي وجهه ثم ينزع نظارته ليلمعها و يزيل أثار الدموع ينظر لأسفل ثم
يشعر شعورا غريبا. كما لو كان شخص أو شيء ما يحدق إلي ظهره. فيرفع عيناه بتلقائية في
المرأة العاكسة. إذا التقت بعينان حمراوان واسعتان كألف ألف بركان تبخرتا للعدم ما
إن و ضع هلال النظارة ولم يبقي سوي إنعكاس لوري الخضار وراءه ودخان أزرق مميز. أكد
شكوكه ذلك الصوت الرتيب لنرجيلة تأتي من مستوي أعلي من شباكه.فينظر ليجد نفسه
بجوار المقطورة إياها و السائق يبتسم له بوجهه الشبيه بالقراصيا وأسنان نخرة و متآكلة
يعلوها شبح شارب."إتفضاااال معايا قرش إنما عال" ثم يدلدل اللاي و
المبسم لهلال و يقول"هتسافر و تولع الدنيا". فيبتسم هلال و يتظاهر
بتناوله و يقول السائق "ولع ولع ولعععع " ويتحرك تاركا خلفه صدي ضحكة
خشنة مليئة بالبصاق و البلغم العتيق وألف سؤال حائر وقلبا يدمي حزنا.
........................................................................................................................................................
"قمر أزرق= قمر كامل الإستدارة نادر
الحدوث"
"الست نقاط
"فقدت الوعي مرة و إستعاده هو "
"السائر في الظلال....... ليس
ماديا.........ليس بعد"
"هي"
أشباح أفكار بعد فقدان للوعي. "تبا" رأسي
يدور بقوة فهاهو ملقي علي شاطىء جزيرة ما تحت قمر أزرق و قد بدأ وعيه يتسرب منه مرة
أخري" لا " ليس هذه المرة يقولها و يتسرب من جسده شيء أخر غطي جسده و
أدركه الأن. شيء أحمر و دافيء و لزج.......دماء
........................................................................................................................................................
”قهوة بلدي و قهوة في فنجان و روقان بال...أيه
الحلاوة ديه ده انا بلحن بالكلام" يحدث "مصطفى عبدالرحمن" نفسه و هو
يجلس في مقهى بلدي بشارع مزدحم بمنطقة إمبابة؛ تلك المنطقة المصرية الفريدة التركيب
من ناحية السكان و الكثافة و الزحام والتكاتك و اﻷصوات و الروائح العبقة بكافة أنواعها.
تخطلط بوحل اﻷرض المتواجد لسبب ما مجهول لكنه دائما هناك." الواحد كائنه قاعد
بيتفرج علي حلة شوربة كوارع بالخضار بتغلي و بيحاول يعد البسلة" يقولها وهو قد
أصيب بإعياء من مجرد متابعة حركة السير فى الشارع. "بس مكان تحفة ينفع أستوحى منه كتير...."
يمسك القلم و يتأمل رواد المقهى و فجاءة يلمح ذلك المشهد اليومي المتكرر. تلك السيارة
الفارهة علي الضفة اﻷخرى من الشارع والتى تبدو كجسم غريب يكاد أن يلفظ خارج المكان.
تنزل تلك فتاة معتدلة الطول مريحة الوجه ترتدي العباءة والحجاب و تركب علي عجل.
"ياتري وراكي إيه؟" يمسك القلم و قبل أن يشرع بالكتابة يلقي نظرة قلقة
على تلك اللفافة التي معه. فما فيها لن يفيده فيها سوي هلال........ و هلال وحده. الجزء الثاني من الفصل الثاني
"مصطفي" يعمل سيناريست هاوي بالقطعة وأحيانا مصمم مواقع
و أعلانات و سائق تاكس ولا تتعجب إن علمت أنه سبق له العمل في مجال الأرشاد
السياحي و البورصة.أعمال متفرقة كثيرة. فإذا كنت في مصر، حيث يعمل الصيدلي في
إدارة المواد البشرية "HR"، و الطبيب يقدم برامج طهو و خريج الصنايع
يفتح عيادة مخ و أعصاب فلا تتعجب من حاله. مصطفي خريج من كلية العلوم ،وسيم
الملامح وطويل القامة، عازب، مثقف و يحمل درجة بكالريوس مزدوج في الفيزياء وعلوم
الفضاء. تخصص نادر من قسم يتخرج منه كل سنة 5 بحد أقصي ولم يعين كامعيد. فقدإكتفى
القسم بتعيين واحد وله كل حق للأسف بسبب إنعدام الأقبال عليه فلا يوجد حاجة لتعيين
عدد كبير من المعيدين. جيد جدا مرتبة شرف تقديره و لكن وظيفته الحكومية وهي العمل
بمرصد حلوان لا تكفيه مواصلاته او سجائره التى أصبح يدخنها بعد التخرج كا نوع من
تفريج الكبت. و الحل من وجهة نظره و العديد من شباب جيله يطبق مبدأ "إحجز
وظيفة في الحكومة و إشتغل طبال علشان تعيش وقضيها اجازات و بكده علي الستين تلاقي
معاش". يتذكر تلك الفكرة و يضحك و يقول في سره" وماله الطبال مزيكا و
مزاج و مناظر و هبقي واصل ده كارت توصية من رقاصة أجدع من مليون إمضاء وزير علي
الأقل ليها كلمة " و يبتسم و يتذكر كوبليه القدير "توفيق الدقن"
أحلا من الشرف مفيييش" و يضحك بصوت عال. يستفيق علي صوت خناقة قطط بجواره بين
ذكريين أحدهما أبيض و قد جار عليه الزمن و الطين و أخر رمادي و يبتسم في سره
"القطط ديه دماغ ووالله الحيوانات في الزمن ده واخدة حقها أكتر من أي
حد". ومن ركن بعيد نسبيا يرمق القتال قط أخر يجلس فوق صفيحة القمامة فوق
الأكياس المكتنزة و يأكل وجبة من بواقي السمك و أمعاء الدجاج وبعد أن ينتهي يلعق
فروته السوداء في جشع و تلذذ. "مثال حي للأنتخة وراحة البال" يقولها هلال
وهو يتامل القط و قد وضع يده علي كتف مصطفي فأجفل وقال "هلال..... انت هنا من
إمتي؟" يرد هلال في مرح"أسكت ياعم، بقي كويس اني لحقتك قبل ماتتهور و
تعاكس القطة" فيمتعض وجه مصطفي و هو ينظر إلي حيث كانت السيارة و الفتاة
البيضاء المجهولة، ويلتفت للقطط و يتنهد ثم ينظر إلي هلال و يقول "شوفت
الخيبة بقينا بنحسد القطط على اللي هما فيه". يعدل هلال نظارته، و هو يتذكر
أحداث الطريق و قبل أن يسترسل مصطفي في أحاديث فلسفية عن مقارنة حالة أغلب شباب
مصر بقطط الشوارع،و يقول "بقولك إيه دماغك انا جيتلك بمعجزة و تقريبا إتخدرت
و خرفت على الطريق مش نقصاك، أطلبلنا قهوة و دموينو علشان نفوق" يستجيب له
مصطفي و بحركة مسرحية يصقف ثلاثة مرات و ينادي عبدالعزيز القهوجي "أزيز......أزيزوو".
يأتي عبدالعزيز وبحركة بهلوانية وأيدي نحيفة علي جسد انحف، ذو صوت عالي، و نظارة
سميكة يقول "جاااي المظبوووط" ثم يصب القهوة. يبتسم هلال و يقول"ده
أنت حافظ بقي؟" يبتسم عبدالعزيز و عينيه الدقيقة تشع بسعادة و هو يوميء برأسه
و يحرك يديه" أباشا عيييب طلابتكم معروفة و علي راسي من فوق بس إتقلوا
عالدومينه شوية". و يعلو صوت المواء علي صوت عبدالعزيز فيقول" أهشهم
ياباشا؟". فيرد مصطفي "سيبهم ياعممم حد يطول يعلي صوته ،يبقي إحنا وهما،
خليهم نكبت عليهم ليييييه؟" فينظر له هلال بغيظ فيبتسم مصطفي "خلاص يا عم متزوقش خلينا
نشرب القهوة منور يا حج هلال" ثم يضحك و يمضي عبدالعزيز و تستمر القطط في
شجار متقطع.
وبينما يشربون القهوة يسأله
هلال "ها إيه المصيبة اللي مخلايك تجبنا هنا؟" ترتعش يد مصطفي لا إراديا
إرتعاشة خفيفة وهو يتذكر ماحدث خلال اليومين الماضيين. ثم يفتح اللفافة المغلقة
بعناية كاشفة عما تحتويه. فتتسع عينا هلال في إنبهار و حيرة ثم يلقي القهوة بجوفه
بسرعة "أنا عارف إنك مش هتصدقني يا هلال بس حاول" و يبدأ السرد. و يتوقف
مواء القطط........ تماما.
........................................................................................................................................................
تجلس لونا في غرفتها
الشبه خالية و هي تعبث ببضعة أقلام قديمة ملونة كانت قد وجدتهم منذ بضعة أيام في
حجرتها كأنهم تجسدوا من العدم بجوار أحد جدران غرفتها شبه الخاوية. و قد قاربت
الساعة علي الثامنة مساءا فقد علمت ذلك من دقات الساعة الإنجليزية العتيقة حيث
تدوي دقاتها الموسيقية المميزة بالفيلا كلها."وحستني يابابي" تقولها و
علي ضوء القمر البدر المتسرب من نافذة غرفتها العالية بالدور الثالث بدأت تكمل
رسمة. قد رسمت رسمة طفولية بإسلوب المربعات الشهير لدي الأطفال لرجل طويل أشقر و
بجواره نخلة كأنها أصغر منه. و رمال صفراء. فاسيلفيا عمتها لم تعد تجعلها تخرج ولو
لفترة بسيطة إلا لتنفذ بعض من أوامرها.لونا تحدث الصورة فلم تعد تحدث بشرا و
سيلفيا تعاملها بإسلوب أمر الكلمة الواحدة كلي، إشربي، تعالي، أقعدي، حمام.
"بابي عمتو بتكلمني و بتديني الأكل زي زاكس الكلب بتاعي إللي راحلك وانت مس موجود
علسان تزعقلها لما كانت بتضايق زاكس".تنهنه و هي تبعد شعرها المجعد الثقيل و
تكمل الرسم. ترسم خطوط كإنها مياه بحر تحت الرمال الصفراء فيبدوا كشاطىء رمزي. "كنت
بتحب البحر يابابي فاكرة أنا لما كنا نلعب و نرجع بعد الشمس ما تمسي" ترسم
دائرة صغيرة فوق أبيها و تظلل حولها كأنه قمر و غيام خفيف."لونا إنت قمري
فاكر يا بابي" تتذكر ذلك اليوم عندما كانا عائدين من الشاطيء و لمحا القمر
"la Lune " قالها بالفرنسية ( معناها القمر) ثم إبتسم و
حملها وهي تضحك "وإنت لونا حبيبة بابي... قمري انا ". تنظر للصورة و
قد اكتملت "بابي.... عايزة أجيلك" تقبلها ثم تحتضنها، و تنهمر الدموع من
عيناها الزرقاوان الرقيقتان و تنظر إلي الصورة و قد انهمرت دموعاها علي الرسمة. تفتح
لونا عينيها علي أخرهما و هي غير مصدقة و معترضة "لأ هتبوظ" و تحاول أن
تمسح بقع الدموع بيدها بلا جدوي.
و في تلك اللحظة تفتح سيلفيا باب غرفة لونا علي
مصراعيه و تجد لونا معها الورقة و الأقلام فتشتعل غضبا فوجود هذه الأشياء معها دليل
أن شخص ما يفسد عليها خططها. تصرخ كأعصار "لوووونا" فلا تنتبه لها
فمازالت لونا منهمكة بأثار دموعها التي إنهمرت و لا تزال تنهمر علي الرسمة. فتتحرك
بسرعة و عصبية واضحة "هاتي" و هي تمد يدها لتأخذ الرسمة فلا وقت للبرود
و البروتوكولات. و بشكل دفاعي تزحف لونا للخلف و هي تبكي بحرقة و تحرك يديها لتبعد
عمتها عن الرسمة. "بابي لأ" فترد بغل رهيب "بابي مش موجود" و
تمسك بيد لونا اليمني و لونا ترفع الرسمة بيدها اليسري لتبعدها عن متناول عمتها.
لكن عبثا تمسك يد العمة الرسمة وعندما تحاول لونا المقاومة تشعر ببداية تمزق
الورقة."بابي موجود" تقولها بغل و تعض سيلفيا بيدها بكل قوها فتصرخ بألم
شديد و تفلتها."لونا كلبة" تقولها عمتها و هي تتراجع للخلف ثم تنادي علي
أحد الخدم القائمين علي حراسة الغرفة "عوووواااااض". لونا تنظر إلي
القطع الموجود بوسط الورقة كثقب صغير عند فخذ أبيها و تنفجر في الدموع"لأ..لأ..لأ...لأ
بابيي" و هي لا تدرك أن عوض قد دخل الغرفة وأمسكها من خلفها و هو يضع كمامة
مخدرة علي وجهها. تقاوم فلا تقدر و بينما يتسلل وعيها ترفع الرسمة أمام وجهها فتبكي أكثر. تنسحب الغرفة بعيدا و هي تفقد الوعي
و تبكي فقد إستحالت أثار دموعها مع احبار الرسمة لبقع حمراء. بقع حمراء تغطي
الرسمة، قانية و مركزة كأنها دماء. ثم تمتم "بابي متخافس"و تفقد الوعي.......
تماما
"أني أفقد ألكثير
من الدماء من ذلك الجرح تبا" يقولها و يفحص نفسه "لا أشعر بألم لكني لا
أستطيع ان أتحرك" يقولها و يحاول أن يفهم الوضع أكثر. فيسترجع معلوماته "العبور
من بوابات الألم يربطني بنقاط المصدر و أصله وواقعه دون أن أكون طرف". "درست
الخمس نقاط جيدا قبل التطور الأخير" يحدث نفسه و هو ينظر حوله و تلك النخلة
بجواره تتحرك مع هواء البحر. "يوجد شيء ما مألوف في كل هذا فكرر" يلقي
راسه للخلف مقاوما دوار قوي و هو يرمق ذلك القمر الأزرق الكامل الإستدارة.
"كل ماله علاقة بهم أعلمه" يغمض عينيه و يسافر بخياله ليري وجهها
وإبتسامتها الصافية و يتسائل "أين أنا". دمائه تسيل.....و تختفي.
"إنه يستغل الوضع و سيستغل دمائي". منذ ان انفصلنا و انا أدرك أفكاره
فنحن واحد ولسنا كذلك. "كالين و اليانج" طبيعة النفس كما صورها الأسيويين
لا خير مطلق ولا شر مطلق. الإنسان دائما كذلك.إختلاف النسبة يحدد الطبيعة إما أن
ترتقي لمصاف الملائكة وأكثر أو تسقط و تصير معلما للشياطين. فالنفس الأدمية مصدر
اللألام و السيطرة علي جوارحها طريق النعيم وإن فرش كله بالأشواك. "لماذا
يبدوا مألوفا"يتسأل و يدقق النظر ويفكر الإندماج و الإنفصال وقت العبور ألقي
بنا في نقاط مختلفة و لم أكتسب أنا أو هو قدراتنا المفترضة كاملة. "كل شيء
كان مرسوم بعناية" ثم ينظر علي النخلة الوحيدة الموجودة بجواره ثم تأتيه تلك
الفكرة المجنونة وهو لا يكاد يصدق فقد علم أين هو ولكن هذا يعني أن الكيان أيضا في
وضع مماثل وإن بدأ يكتسب بعض من المادية."تبا كل شيء في خطر داهم"
يقولها و قد أدرك....أدرك مالا يمكن تصديقه.
........................................................................................................................................................
الجزء الثالث من الفصل الثاني
يعود هلال إلي بيته في تمام منتصف الليل و سحر قد إستفاقت من غفوتها علي دخوله المنزل و هو يحمل تلك اللفافة الغامضة. "حبيبي حمدالله علي سلامتك" فيوميء لها بيده و يرفع حاجبيه فالإرهاق واضح عليه. و يلقي باللفافة الغامضة بجوار المكتبة. فتساله" إيه ده" فيجيب و قد ظهر عليه التوتر"حوار كبير بس انا تعبان لازم ننام" تبتسم سحرو تقول و هي تعبس بدقنه "حبيبي الطفس أكل برة ولا إيه" يبتسم رغم إرهاقه. ثم يلقي نظرة أخيرة علي اللفافة و مافيها وقبل أن يذهب إلي غرفة النوم تسقط عينيه علي الصورة فيجدها قد مالت قليلا فيمسكها في يديه و بإبتسامة حزينة ينظر "تصبحي علي خير ياأحلي دكتورة" و يضعها في مكانها و يلمس إطارها بود ثم يخرج خارج الغرفة. و ماإن يخرج من الغرفة تبدوا صورة الفتاة السمراء مع زوجته مندية و كأنها كرد فعل لما فعله هلال تبكي......تبكي دما.
........................................................................................................................................................
تسرع" بدرية" و هي تقود سيارتها البي إم دبليو الرياضية علي الطريق الدائري من مدينة نصر إلي التجمع الخامس حيث قلعتها الصغيرة المسماة مجازا فيلا. فهي قوطية الطراز من ثلاثة أدوار و برجان مدببان و ذات حديقة متوسطة المساحة يحوطها سور مرتفع و مكهرب. كانت قد إبتاعتها من إبن وزير سابق حيث كانت تخص والده ثم باعها وهرب للخارج ابان ثورة يناير. تحت ضوء القمر الكامل، يحرك الهواء شعرها الأحمر إلى الخلف و كأنه قد صار حيا ووشاحا وردي اللون حول عنقها يتطاير معه. وعلي نغمات الكمان الذي تسمعه يتحدان معا و عينيها الخضراء الواسعة المليئة بالتحدي و الأنوثة ليشكلا مشهد سينمائى لا تسطيع ان ترمش معه إنبهارا. تقود بسرعة في إستمتاع لا يقدره سوي من جرب القيادة السريعة ليلا علي الطرق السريعة. الهواء الهدوء النسبي،النجوم و القمر تدور مشاعر السعادة تلك فى رأسها و قد أختلطت بلذة نصرها الليلة و يجول في خاطرها أن الأشياء البسيطة كحالها الأن هي مايجعلها فعلا سعيدة. "أشياء بسيطة لا تشتري" تبتسم و هي تحدث نفسها للحظة. إبتسامة من القلب لم تفعلها خلال عشرون عاما إلا مرتين ربما ثلاثا فكل شيء في عالمها بحساب ففي عالم الوحوش الذي ترأسه لا مجال لذلك. تنتبه لوجهها ثم تضحك بسخرية وهي تهمس لنفسها "واضح إني رقيت اليومين دول" وتتلاشي و قد قد تذكرت ما كدر صفو إنتصارها اليوم. لم يكن ذلك الشيء الذي القت به منذ سويعات قليلة وهي تصرخ سوي علبة هدايا. علبة هدايا متوسطة الحجم مغلفة بغلاف أسود لامع و و رباطها مغزول من خيوط الذهب و عليه كارت مكتوب بماء الذهب عبارة واحدة "أنت ملكي" و موقعة بإسم سامر محسن."وصول الهدية قبل وصولي المكتب و تتحط بحيث ألمحها بعد الإجتماع، إن فيه خاين شغال معايا" كانت تلك الفكرة التي جعلتها تشتعل غضبا و فصلت علي إثر ذلك كل هيئة السكرتارية و مديرة مكتبها و حارستها الشخصية و السائق. و هو الذكر الوحيد الذي يعمل معها في دائرتها القريبة لأنها قرأت دراسة أن حوادث الرجال علي الطرق أق ل من النساء. وليس ذلك تحيزا بل كرها في ذلك الكبرياء الرجولي الذي يجعلهم كالأطفال الحمقي في وجود سيدة جميلة و غيورين من نجاح سيدة ذكية هي و لم تكن لتطيق أو تسمح بأن يؤثر علي جودة العمل فى دائرة عملها القريبة.سامر محسن رجل أعمال ثري الأصل يجسد لبدرية النموذج الذكوري المقزز بجميع أركانه. طويل، ضخم الفك عريض الأكتاف، مفتول العضلات كمكينة إنتاج تستستيرون عملاقة.قوي الملامح مشقوق، الذقن أشيب الفودين كأوغاد الخمسينات أو جنرالات الجيش كما يبدون في السينما. مغازل وقح لم يترك إمرأة تعجبه تمر دون أن يغازلها أو يأخذها معه إلي بيته. وهو بذلك حريص علي إبقاء تركيز الحبة الزرقاء و الفوسفور عالي في دمه طوال الوقت. الغريب هو أن العديدات يجدن ذلك الثري الأربعيني فاتنا و هي تجده منفرا كحلزون لزج مصاب بالإسهال. و علي الرغم من ذلك النفور و الغضب إلا أن ذلك لم يمنعها من إصطحاب هديته معها إلي منزلها الجديد.ربما رغبة منها في معرفة كيف يفكر أو ربما تريد معرفة كيف يقدرها ذلك الوغد أو مقدار ماقد يدفعه كهدية، تتعدد الأسماء ولكنها تعترف إنه فضول الأنثي الفطري ليس أكثر."كنت ممكن أفتحها في المكتب!" تنظر للهدية بجوارها علي المقعد و تحدث نفسها وقد وجدت تصرفها غريبا فهي لم تعتد التصرف عشوائيا. تفكر في ذلك وقد صارت أمام باب فيلاتها الحصينة التي تفتح لها بفحص تردد صوتها و بصمة العين. و ما أن تدخل حصنها. حتي تتعالي أصوات النباح. "حبايبي.....ماما جت" تبتسم وهي تردد ذلك وهي تري كلابها الروتفيلر الخمسة الضخام و قد أحاطوا السيارة وحركاتهم تدل علي السعادة البالغة بعودة سيدتهم. تتأملهم وهي تتحرك ببطء بالسيارة للجراج."ياريت الناس تتعلم الإخلاص فى العمل و الوفاء من الكلاب" تقولها ثم تغادر السيارة فيحيطوها في سعادة ويحاولون الوقوف علي أرجلهم الخلفية للعق وجهها فتدفعهم بخفة لتعلمهم بعدم رغبتها في ذلك."محتاجة دش لكن مش من النوع اللعابي" ثم تتذكر الهدية وتلتفت لتعود و تحضرها. ثم لسبب ما مجهول تتوقف الكلاب عن اللعب و تقف تنظر لها و تزمجر في ثبات و تهديد.
........................................................................................................................................................
" إدراك حقائق دوما له ثمن" يقولها ذلك الكهل السبعيني و هو يرقب و يحلل ما حدث. "ماحدث قد غير المعالم لكن لم يغير القواعد... بعد" يفكر في هذا بهدوء ." كل القطع في مكانها وتتحرك في الإتجاه السليم." ثم تتغير معالم وجهه في إهتمام " لكن يبدو إن المقاومة بدأت مبكرا" يحدث نفسه ثم يدون ذلك و هو يفكر. لابأس وحتي إن حدث فالفيصل هو الإنتصار علي العدو الداخلي: نفسك. "ألإدراك أول طرق الوصول للحل،"يجب إعتبار الحقائق لكن الأهم النظر لما أبعد منها، إستفق فعدوك نفسك" يقولها وعقله يذهب إلي ذلك العالق بجزيرة تحت قمر أزرق كأنه يأمل أن يصله صوته. "تذكر..."15%
........................................................................................................................................................
"حتي الكلاب مش طايقاه" تقولها بدرية وقد عم وجهها الأستياء و هي تتذكر كيف كانت الكلاب في حالة تأهب عندما عادت لأخذ علبة الهدايا. و ما إن مسكتها حتي بدأت تعوي في هياج و كانت تتحرك حولي في دائرة و كلما حاولت الإقتراب من أحدهم نفر و علي وجهه أقصي علامات التقزز و الألم. حتي دخلت الفبلا. . بهو واسع يستقبل من يدخل يطل عليه المطبخ الكبير و حجرات الضيافة و غرفة المائدة و المكتب و سلم مركزي للدور الثاني حيث حجرة الإستجمام والمعيشة والمكتبة. ثم يتفرع منه لليسارو اليمين سلمان للدور الثالث حيث حجرات النوم. الفيلا رغم طابعها الكلاسيكي الواضح من تماثيل يونانية و زخارف و لوحات إيطالية مذهبة و أثاث فخيم إلا انها قلعة من قلاع التكنولوجيا الحديثة في كل شيء. ما إن تدخلها حتي تعمل الأنوار تلقائيا وطبقا لبرنامج معد مسبقا و مجسات سرعة وحرارة وضغط يتم إعداد درجة الإضائة الملائمة والمكيفات ويمتليء الجاكوزي بالماء ذو الحرارة المناسبة لذلك الفصل من العام و كذلك يعمل الميكرويف علي الوجبة المعدة مسبقا من خادمتها العجوز والوحيدة، فوزية، والتي تتنقل معها دوما. تذوب بدرية في ذلك الروتين اليومي بسرعة فلا تشعر بنفسها إلا و هي بغرفتها الواسعة وهي ترتدي ما خف و شف وغلا ثمنه . تقف هكذا وشعرها الأحمر الثائرمتناثر و قد تخللها ضوء القمر الكامل القادم من البلكون النصف دائرية وأنعكس. كما تخلل غرفتها مع هواء الليل المسكر الذي يداعب ستائر البلكون و أستارها وموجات شعرها وسريرها المقابل. صانعا سيمفونية من الجمال و الضياء قد تعجز مايكل أنجلو شخصيا. قد أدركت ذلك فراحت تتمايل في نشوي و دلال أمام تلك المرآة الأيطلية الضخمة و العتيقة تفكر"الرجالة أغبياء ولا أستثني أحد بالذات في أعتقادهم بحوار إصطياد البنات" تتحسس الصندوق ثم تبدأ بنزع رباطه الذهبي. "فاكرين أنهم اللي بأديهم بداية العلاقة و بينسوا تماما تجاربهم السيئة اللي سبقت أي نجاح، بينسوا إن طول ما الست رافضة الفكرة و رافضاه مش هتخليه يتقدم خظوة أصلا" تبتسم و تفتح العلبة فتجد علبة مخملية سوداء لامعة تلك العلب المميزة لعلب المجوهرات فتخرجها."حتي الدون جوانات أصحاب العلاقات المتعددة و يتفاخرون ينسون إن اللي بيقولوا عنهم بنات هابلة و قليلة الخبرة لو مسمحتش ليك تدخل مكنتش هتعرف تعمل حاجة ". تتفحص العلبة فتجد ان بها قفل ذهبي صغير. "كل ست ليها مفتاح كونك عرفته ودخلت قلبها مش معناها إنك مش هتنطرد إذا مكنتش قده مهما طال الوقت".تنظر بداخل صندوق الهدية الخارجي فتجده. مفتاح ذهبي صغيرعلي شكل قلب فتضحك "الأعجاب من العقل مدعوم بعاطفة يعني من الأخر تدخل دماغها تملاها هتدخل قلبها علي طول و هي اللي هتديك المفتاح بنفسها. السذاجة إنك تفتكر إنك أكتر من مجرد بياع إذا عرفت تقنعني إشتريت و إذا معرفتش ماشيتك". تفتح العلبة برفق و تهمهم في تلذذ "المقلب معايا إني حتي لو أقنعتني مش هشتري....لأني إشتريت نفسي" ثم تخرج محتوى العلبة في إنبهار لم تستطيع إنكاره. فلقد كانت تحتوي علي عقد ماسي من خمسة ألماسات ضخمة ، مستديرة و ناصعة متلألئة و تتوسطهم ماسة أكبر تحوطها حلقة من البلاتين النقي منقوش عليها كلمة من الاتينية التي تجيدها وهي " Luna Pernox" " لونا برنوكس"
........................................................................................................................................................
يمسك رأسه من فرط الدوار و هو قد أدرك أبعاد الموقف اللا معقول و عينيه تجول في المكان تلك الرمال و المياه و القمر الأزرق الذي فوقه. يراجع الحقائق وهو يستخدم إسلوب "شيرلوك هولمز" الشهير كما وصفه الكاتب ومخترع الشخصية سير "أرثر كونان دويل"عندما تزيل كلمة مستحيل من قاموسك وانت تطبق قواعد المنطق وألإستقصاء فما يبقي هو الحقائق فقط مهما بدت غريبة"1-لم أمت بعد والمكان له أبعاد واضحة طول و عرض و إرتفاع.
2- الجرح في ساقي سطحي و ليس له أي عمق ورغم ذلك الدماء الموجودة وإن كانت تتبخر.
3-أنا هنا منذ ساعات عديدة وذلك القمر لم يتحرك من مكانه و السحاب يبدو ثابتا والمياه كذلك.
4-الشيء الوحيد الذي يتحرك نسبيا أنا .
"إستنتاجي غريب بس ملوش معني تاني" يطرق رأسه بيده كمن يحاول ان يخرج الفكرة من رأسه. "بس إزاي؟؟ ده مينفعش!!".
........................................................................................................................................................
"لونا برنوكس" يعني بدر التمام" تدور تلك الفكرة بعقلها في صمت و هي تحلل ذلك بوجه خال من التعبير و بينما تتلألأ الماسات تحت أشعة القمر. فترفع العقد لأعلي بييدها بإتجاه ضوء القمر البدر و قد فتحت أصابعها لتفرده و أعطت جانبها للمرآة. فبدت كإحدى جنيات الأساطير الرشيقة بقصص الأطفال وإن كانت أكثر أنوثة بكثير. تدرك ذلك وهي تلمح نفسها بطرف عينها في المرآة العتيقة و تبتسم إعجابا بنفسها وقد بدات الماسات تشع ضياءا ساحرا متعدد الألوان. "ّمادي و ذكي يا سامر" تقولها و تضحك "بس قدامي انت ساذج قوي". ينتاثر ضوء الماسات في كل مكان عابثا بكل الظلال أو مبددا لها ولكن المرآة كانت لها رأيا أخر. غامضة المرايا و أحيانا مخيفة إذا وجدت الفرصة لذلك. بدأت تشع كانها شاشة عرض تضيء كرد فعل لبريق الماسات و المتزامن مع حركة يد بدرية وإلتفاتها وهي تعبس بالعقد. فبدا إنعكاس الغرفة، وهي تلمحه بطرف عينيها مختلفا، وكأنها غرفة أخري ابسط ، أكثر ظلاما و هي فيها تقف و إقشعر جسمها " ايه ده ديه مش أنا!!!". قالتها وتجمدت للحظة في مكانها من هذا الهاجس ثم إلتفتت بكامل جسدها بإتجاه المرآة بفزع و فضول تنظر. وبدا لها كل شيء وهي تنظر بتركيز في المرآة طبيعيا لدرجة مخيفة."شغل مرايات و دماغي بدأت تفصل" تتثاءب ثم تضحك و هي تتذكر لعبة "ماري الدموية".لعبة المراهقات الإنجليزيات المفضلة في بيوت الطلبة أو رؤية القرين كما يسمونها بمصر. فهي لعبة مرعبة ذات اصل أسطوري إنجليزي تعتمد علي الخداع البصري و الإضائة المتأرجحة . فا لكي تري ماري الدموية التى تسكن المرايات تشعل شمعة خلفك و تقف امام المرآة ثم تلف ثلاثة لفات و انت تردد إسم تلك الروح ثلاثة مرات و تختمها بسؤال أين أنت فتظهر امامك في المرآة. تنظر للعقد مرة أخيرة ثم تلقي به بجوار المرآة و تنظر لإنعكاسها و تدمدم و قد بدأت تلف و هي تردد بإنجليزية سليمة "ماري الدموية، يا ماري الدموية، ماري الدموية أين أنت؟" ثم تحملق بقوة فلا تجد سوي نفسها و قد إكتست بالظلال مع غياب ضوء القمر لحظيا بسبب مرور سحابة . فتبتبسم "لسة غاوية الحاجات ديه زي المراهقات....بس واضح إن حتي العفاريت بتخاف مني" و تتحرك تحت ضوء القمر اللطيف بإتجاه سريرها لتستسلم للنوم و امامها ظلها و إنعكاسها لمحته وهي تنام قد تحرك أيضا، وان كان ظل ذلك الإنعكاس قد إستطال بإتجاه معاكس تماما كأنه...... ينظر من المرآة.
........................................................................................................................................................
يوم عصيب كان علي مصطفي عبدالرحمن وإن كان أهون مما سبقه. يعود إلي المقهي بعد أن أوصل هلال لسيارته و ويشعل سيجارة. وبينما هو ينفخ حلقات الدخان في الفراغ في إرتياح شديد كمن تخلص من حمل ثقيل. ثم تدمع عيناه و هو لا يصدق و يردد "أخيرا هعرف أنام" فمصطفي بالفعل يعرف أشياء ولم يقولها لهلال كاملة.أ شياء لها علاقة بالكتاب و طريقة وصوله إليه. يبكي و يدعي "يارب سامحني إنت عارف" و يبكي أكثر.وعلي المقهى الشعبي إستسلم مصطفي للنوم العميق...... تماما.
........................................................................................................................................................
"إزاي "يقول ذلك و هو يسترجع أسس نظرية أينشتين النسبية و تفسيرها للكون بالإضافة للنظرية إم و نظرية ستيفن هوكينج للأوتار الفائقة و مبدء الكون المتعدد. الأبعاد المعروفة لأي شىء هي الطول، والعرض و العمق فهم ثلاثة. لكننا نعيش فعليا في وجود بعد رابع و هو الزمن. مثله مثل باقي الأبعاد له بداية وإتجاه.فالزمن يمضي للأمام حاملا ما أرتبط به من الأبعاد الثلاثة. فمنطقيا كل مانحن فيه من صخب و حياة و فناء يحدث في كوننا و ندركه في البعد الرابع. ونحن ندرك فقط الكيانات التي تشاركك نفس البعد فينطبق عليها نفس القواعد العامة التي تنطبق عليك. و فعليا يوجد 9 أبعاد طبقا لأنينشتين و قد أصبحوا 12 بعد التعديلات الخاصة بنظرية هوكينج للأوتار الفائقة و قد تم إثباتهم رياضيا. وجودك في بعد معين يستوجب حملك لطاقة تتلائم معه. فالمادة و الطاقة وفقا لنسبية أينشتنين وجهان لنفس العملة و يمكن التحويل بينهما عند الوصول لسرعة الضوء:فان ذرات جسمك كلها لها نفس تردد البعد المتواجد فيه. وبما أن نظرية الكون المتعدد ترجح وجود العديد من الأكوان و الأبعاد و تحتل نفس الحيز من الفراغ. فيمكنك بإكتساب طاقة أو فقدها الإنتقال بين تلك الأبعاد والخضوع لكل او بعض قواعدها الفيزيايئة. وتبقي قاعدة مرعبة للبعض فمن يعيش ببعد أعلي يدرك من يعيشون بابعاد أدني و يؤثر فيهم وهم لا يقدرون على ذلك. فنحن نعيش في البعد الرابع و نتعامل مع الأشياء ثلاثية الأبعاد مثلنا أومثل الأدراج وثنائية الأبعاد بلا عمق كاللوحات و الورق و ألواح الزجاج وأحادية البعد كعرض أو أرتفاع فقط. وبما أن الحياة كما نعرفها تستوجب أربعة أبعاد فأكثر فلا تستغرب أن تكون لمن هم بالبعد الخامس أو السادس واكثر كالكتاب ثلاثي الأبعاد بالنسبة لك. فهم ذو طاقة أعلي وبالتالي كيانهم وقواعدهم الفيزيائية مختلفة. و من هنا نستطيع أن نفسر وجود الجن و الشياطين والملائكة. فهم يدركوننا ولا ندركهم فهم يشاركوننا نفس الفراغ ولكن على تردادت أعلي (بعد أخر) و يستطيعون التأثير علينا كما نفعل نحن في الكتاب ثلاثي ألأبعاد و,ان ظلت فرضية. "مش مصدق" يقولها. لكن الحقائق تؤكد ذلك ولا يجد عقله مجالا للخروج من لا معقولية الموقف أصبح أسير تلك الفرضية. عقله التحليلي يحاول التشبث بالمنطق في بحر اللا منطق هذا. يسترجع في توتر"البعد الثاني حيث الأوراق والصور و اللوحات و المرايا" ثم تومض تلك اللمبة الحمراء بداخله فشيء ما يخبره أنه علي خطأ لكن الحقائق تفرض وجودها. "أنا وذلك الكيان أسري في البعد الثاني و نتحرك نسبيا بسبب عدم تكيف طاقتنا الزائدة مع البعد فإما نخرج وذلك يتطلب طاقة أو نصبح جزء منه بعد أن نفقد طاقتنا تماما". عقله. يصمت لوهلة ليستوعب الكارثة الخيالية التي بدأت تكتسب قواما علميا منطقيا. لا يعلم كيف عرف كأن شيء أملاه ذلك فقالها بصوت مسموع "أنا محبوس داخل رسمة.... رسمة طفولية"
........................................................................................................................................................
الجزء الرابع من الفصل الثاني
" ماهينور مخيفة وجذابة بشكل مش طبيعي" هكذا كان يفكر سامح
و هو يراقبها من بعيد في نهاية ذلك اليوم. "شغل مراهقين وش المفروض إني عديت الكلام
ده من زمان" يقول لنفسه بينما هو يتابعها في موقف الجامعة الواسع حيث تصطف الباصات
علي صفين متقابلين. تقف هي لتستمع إلي صديقة و يبدو عليها التأثر فتحضنها و تبتسم ثم
تقول شيء ما و تنفجر تلك الصديقة ضاحكة لدرجة إحمرار الوجنتين وهي معها مشرقة الوجه
كرد فعل وإن بدا عليها الإرهاق."هتجنن أهلي بتضحك" يقولها سامح و هو يلمح
المشهد من علي نفس الصف و يتذكر تعبيرات وجهها عند تلقيها المكالمة
صباحا. " عامل فيها كرومبو صح؟" يباغته ذلك الصوت ذو النبرة الخشنة و المضحكة
في نفس الوقت فيلتفت ليجد مصطفي و قد ظهرت نقاط من العرق على وجهه الممتليء رغم برودة
الجو النسبية. بعضها قد بدأ يتدحرج و هو ينظر لسامح الأطول و الذي عجز عن الكلام بثبات."خليك
فاتح بوقك كده وأحطلك كاميرا فيه و صورني" يقولها ليخرج سامح من الموقف فيتجاوب
سامح بدعابة بذيئة تتعلق بمكان أخر لوضع الكاميرا لدي مصطفي فينفعل. يضحك سامح و هو
يقول" يا أخي إنت و تخنك المستفز ده بتخرج الواحد عن شعوره" يرد بثقة و هو
يربت علي كرشه "ده عز يابا متفهمش فيه". و بسرعة يرد سامح و هو يعبث بوجه
مصطفي السمين " عز ولا جمال مش هتفرق يا درش إنت كلك مخابيء" في إشارة واضحة
لدعابته البذيئة السابقة فيحمر وجه مصطفي. "خلصتوا؟" تفاجئهم ناردين من خلفهم
وهي تشرب عصير احمر في كوب و قد سندت علي باص مجاور، فيرتبك الإثنان و يسأل مصطفي
"إنتي هنا من إمتي؟" تشير علي كرشه و قد أمالت رأسها جانبا بشكل كرتوني وإقتربت
وبصوت طفولي مفتعل "مخابيء". وقبل أن يتكلم او ينفعل كانت ناردين تدفع حقيبتها
إلى صدره وبين يديه و تقول له"شيل"و تلتفت إلي سامح "عايزة بطيخ"
و هي تبتسم بطفولية و قد ظهرت أسنانها الأمامية و في سخرية يرد مصطفي "عندك حبة
لزقين في سنانك أهم" فترد "بجد" و قد أخرجت منديل لتزيل ماعلق فلا تجد
شيء ولتكتشف إنها دعابة من مصطفي أفسدت عليها محاولتها الساذجة لفتح حوار مع سامح.
سامح، و قد إلتفت لماهينور، طرح سؤال "تفتكري ماهينور قفلت الإمتحان؟" تتغير
تعبيرات وجه ناردين " وهي تنظر لماهينور و شبح إبتسامة بلا معني واضح يظهر على
وجهها و تجيب" مممم أكيد زي كل إمتحان" و يتحرك وجهها بعصبية، و قد ثبت وجهها
علي نفس الإبتسامة الجوفاء و تكمل "إمتياز". "زيك بالظبط" يبتسم
مصطفي في ضحكة خبيثة وهو يقولها فتشير ناردين إلي وجهها المرهق، المستاء بأصبعها السبابة
و تحركه لأعلي و أسفل و تقول بإستنكار "ده منظر واحدة مقفلة؟!". يرد مصطفي
"أهو كلام وفي الأخر تطلعي ناقصة نص مثلا" تلكزه ناردين في قدمه بشكل هزلي
و بكل قوتها. فينظرإليها مصطفي ولم تذهب الإبتسامة الخبيثة و يقول "ده أخرك؟".فترفع
حاجبها الأيسر و تشوط كمية من الرمال بقدمها إتجاه مصطفي فيسعل و يغمض عينيه و قد إمتلأ
فمه بالتراب و الرمل و بدأ يبصق "مجنووونة!!!".فتلوي فمها وبصوت وعصبية طفولية
تقول "إنت إللي مجنونة". و سامح كما لو يكن معهم وهو يلمح ماهينور تصعد للباص
و يبدوا انها تتحدث مع السائق. "هي كده طبيعية؟" سألها لنفسه و هو يدرك وجود
شيء ما فخرجت بصوت مرتفع و سمعتها ناردين و أجابت "ولا هتعرف" فنظر لها بتعجب،
ثم أكملت كلامها "بس ممكن أقولك إذا هماك قوي" و صمتت لحظة و هي تنظر بإتجاه
ماهينور المشرقة و قدإلتفتت في تلك اللحظة بالذات ناحيتهم ولم يتبدل وجهها كأن لم يكونوا
موجودين ثم توارت بالباص لتجلس. "فيه حاجة مضيقاها جامد" قالتها ففتح سامح
فمه فقد تطابق ذلك مع ما خمنه ثم بلا مبالة قالت" بس إيه الجديد و مش هيفرق حاجة
لأنك مش هتعرف و مفيش حد هيعرف" وقال لها سامح "وإنت عرفتي ده من بصة؟"
قالت له ناردين و إبتسمت إبتسامة فارغة " احنا عشرة كنا إخوات" فيستطرد سامح"
و بعدين يعني هيا طلعت قليلة الأصل؟" فترد بإنفعال و قوة "بالعكس ديه كانت
أكتر حد نضيف و محترم عرفتوه". فبهت سامح و قال"طب إيه؟" و قد رفعت
حاجبها لأعلي و خلا وجهها من التعبير "مش عارفة " و تصمت ثم تتكلم و عيناها
تتكلم معها لأول مرة دون إفتعال "وشكلي مكنتش فاهمة" ثم يعم الصمت المكان.
........................................................................................................................................................
تتأمل سيلفيا ملابسها بعد
معركتها الصغيرة مع لونا ثم تلمس يدها مكان العضة و تهمهم في ألم "وسخت هدومي
متوحشة زي مامتها".تتذكر الموقف و
تقول في غل "فصل جماعي يا بقر كلكم ماعدا عوض". تتحرك سيلفيا بحزم إلي حجرة
القراءة لأخيها المتوفي إدوارد والد لونا. يتوسط الحجرة مكتب كبير تحتل جدرانها الثلاثة
مكتبة ضخمة لكتب في كل مجال والجدار الأخر أرفف تحمل تذكارات أسفاره العديدة و صور
رحلاته البحرية بالأضافة لصور العائلة. فتجول عينبها بين صور العائلة حيث صورتها هي
وأخيها فتختلج نبرات صوتها وهي تحدثها "ليه كده يا إدوارد شوف كنا بنحب بعض قد
إيه" تجول عينها ببعض الصور العتيقة لهما فقط و هما يلعبان في مراحل عمرية مختلفة.
"الدنيا كانت ملكي وانت كنت معايا.... أخويا.... ملكي أنا بس" تقولها و قد
رفعت رأسها لأعلي في كبرياء وحزم و قد ضمت يديها سوية. و تلتفت إلي صورة زفاف أخيها
لإمرأة تبدو غاية في الرقة وصاحبة إبتسامة رائعة، نمش و بشرة بيضاء نضرة و تنقلب خلقتها
و هي تقول في غل" لغاية ماجبتلنا الميكروب الحقير ده و دخلته بيت فرانسيس!!!!
" تتحرك و تبدأ الضحك بهستيريا ضحكات مرعبة ثم تلتفت إالي صورة لأخيها و تقول
برقة أفعي الكوبرا " كان لازم أتدخل ياحبي، إدوارد، علشان تفضل معايا" ثم
تتحرك عينيها الزرقاوين و قد إمتلأت بلذة سادية و هي تتذكر"كان لازم الميكروب
يموت " ثم تنفجر ضاحكة و تقول بصوت أقرب للصراخ " بس إنت مقدرتش ده يا إدوارد........
مقدرتش ده!!!! مقدرتش ميراث و تاريخ آل فرانسيس". ثم تتوقف فجأة ويتحول وجهها
لتعبير أقرب لتمساح يبكي بعد إلتهام فريسته "فكان لازم ياإدوارد، كان لازم إنت
كمان تموت" تقولها ثم تطيح بالصور من فوق الأرفف فتتكسر. ثم تتذكر الرسمة الخاصة
بلونا فلا تجدها معها. تنهمك في جمع صور أخيها كلها و هي تتحدث "أما لونا فأنا
همسحك من دماغها يا إدوارد" ثم تنادي "عوواوووض هات الرسمة و تعال"
فلا تجد إستجابة فلا تكترث. تجمع الصور كلها بكومة إستعدادا للتخلص منها و تقول
"هشيلك من دماغها و من الوجود ذاته مش هخليلك ذكرى ولا ذكر " ثم تبتسم و
تقول "ده إذا فضل عندها دماغ أصلا" ثم تضحك ضحكة مجلجلة.....ضحكة جعلت الشيطان
يشعر بالخزى والعار.
........................................................................................................................................................
"عقلي سينفجر من الفرضية المجنونة " يقولها وهو وسط الجزيرة
المرسومة و عقله يعمل كمحرك ذري. "شيء واحد لن يتغير" يقولها و قد ظهر له
بصيص من الأمل "كل النقاط متصلة كأنها دائرة مغلقة" و لأول مرة يظهر شبح
إبتسامة علي وجهه و هو يقول "كلنا مرتبطون".
........................................................................................................................................................
"متخافش يا بابا رفعت رأسك النهاردة" تقولها و قد إرتسمت
علي وجهها نظرة جدية و إبتسامة ثابتة . تنظر للساعة وقد أصبحت العاشرة مساءا و ذلك
معناها قرب إنتهاء يومها. "محتاجة حاجة ياست هانم" يقولها أحمد البواب فتبتسم
في لطف فيعينها بحمل كيسين و ترفض أن يشيل الباقي و هي تقدر. فلا طالما كرهت مبدء الطبقية
فلا سادة ولا عبيد. بينما يجري طفليه بجانبها تلاعبهما ثم تعطي لكل واحد قطعة شيكولاتة
تحملها و تبستم بحب، فعشقها هوالأطفال. "شكرا يا أحمد علي تعبك " تشكره ثم
تعطيه عشرة جنيهات و ذلك ليس جزاء العمل بل صدقة تخرجها له من أجل أطفاله دون أن تحرجه
فتجعله يبدوا كأجر عمل و هي تتصدق كثيرا .تدخل البيت فلا تجد أحد فهو خالى إلا من بنطالون
ملقي في وسط الصالون وسط فضلات طعام و ملابس أخري مكدسة بجوار الحمام . ملابس أخويها
بالطبع. فتضحك وقد فقدت الأمل أن تجد الشقة نظيفة عند عودتها. "لوحدي هناك ولوحدي
الليلة" تفكر في أحداث يومها وهي تفرغ محتويات الأكياس و تنقع الخضروات ثم تشغل
ماكينة الغسيل التي غالبا ستعمل لوقت متأخر من الليل.
دائما وحدها رغم وجود العديد
من الأقارب لكن الماديات جعلتهم للجمادات أقرب فاكيف تفهم جمادا معني القربي و المودة
و صلة الرحم. وقد خاضت اليوم تجربة خاصة جدا. فقد لفظت عمتها أنفاسها الأخيرة بعد صراع
مع المرض اللعين (السرطان) دام سنين. كانت الوحيدة التي تودها فقد أهملها الجميع معاداها.
وقد تلقت الخبر من أبيها صباحا فلم تريد أن تجعله قلقا فلم تبكي، ولم ترد أن تخيب ظنه
فحولت كل تركيزها أن تنهي الإمتحان علي أتم وجه، وأطاعته فحضرت بدلا عنه و عن أخويها
إجرءات الدفن و العزاء وشاهدت أعمامها يتناقشون بالميراث ويقتتلون و لم تكن أختهم دفنت
بعد ، وكانت صوت العقل بينهم. ورغم هذا، بعدها لبت إحتياجات المنزل لأخويها ووجهها
بشوش."بنت بميت راجل" تتذكر ماكانوا يردودنه الجميع ثم جلست علي سريرها وأمامها
مرآة حجرتها الجدارية وهي ترتدي قميص نومها و قد تسلل ضوء القمر الكامل لحجرتها المرتبة
البسيطة الأثاث من شباك صغير خلفها. "بنت بميت راجل بيقولوها بس بينسوا.....بينسوا
إني برضه بنت" تقولها و تصمت."دايما لغيري...وأنا!!!" قالتها ثم صمتت
بوجه شبه مبتسم وإن قالت عينيها ماتعجز عنه ألاف الكلمات.
نظرت للمرآة و هي ترفع
عينيها لأعلي في بطىء فظهر وجهها أمامها علي ضوء القمر بالمرآة و كانه يلمع. ثم إلتمعت
المرآة بشدة. فإقتربت منها بحرص تطالع وجهها فلم تجد سوي نفسها ووجهها والدموع.
"الإرهاق بيخليني أخرف" قالتها و دموعها كانت تسيل بهدوء فوق خديها.
" يا رب أنا.....تعبانة" قالتها وأنهارت باكية في لحظة نادرة فماكانت تسمح
لنفسها بذلك و تعتبره رفاهية ومشاركة أحزانها مع الأخرين نوع من التطفل. "مفيش
وقت كلهم محتاجيني" فمسحت وجهها و إستدارت لتنام. بينما إضائة القمر تتلاعب بظلها
علي المرآة. وبينما تغمض عينيها يلفت إنتباهها بريق غريب فلا تهتم وتنام بعمق. وهناك
بالمرآة يلمع إنعكاس لشىء ليس لديها بالحجرة شيء مكتوب عليه باللاتنية......
"لونا برنوكس"الجزء الخامس من الفصل الثاني
"أه" تقولها هالة و هي تطلع ذلك السلم العتيق العالي بمنزل العائلة القديم بحي شبرا و قد قاربت الساعة علي العاشرة مساءا." هانت دورين فاضلين إجمدوا" تقولها محدثة ركبتيها و هي تصعد إلي الدور الخامس لتلك الشقة القديمة و المهجورة التي أتفقوا علي إبقائها مع تحويلها لما يشبه مخزن او متحف ذكريات كما كانت تسميه بدور. تبتسم هالة إبتسامة مجهدة وقد وقفت قليلا لترتاح و تحدث نفسها"بقيت بتعب بسرعة من بعدك يابدور". فقد مضي إسبوعان منذ أن أصيبت بإنهيار عصبي في وسط عزاء توأمها وكادت أن تكسر ذراع نرجس إبنة أختها. يتغير وجهها للحزن "كل حاجة عندي بدأت تفوت من بعدك يا أختي كأن كياني كله راح" تقولها ووهي تشعر بالندم لأنها فقدت تماسكها عقليا و جسديا"نرجس بنتنا تعبت معايا كتير بعدك" تتذكر سهر نرجس معها و تحملها لمزاجها المتعكر والأنهيار المفاجيء لصحتها. حقيقة الأمر أنها لم تكن سليمة منذ زمن هي فقط لم تكن مهتمة بما يحدث لها. لم تكن تبالي بألام المفاصل لدرجة أنها إقتنعت بعدم وجودهم، ولا نظرها الذي ضعف لدرجة سيئة فقد كانت تكره نظاراتها وإن كانت ترتديهم عند الضرورة أو عندما كانت تلبس إكسسوار يليق مع النضارة. "جسمي بيعترض وبيربيني" تخرج النضارة من الحقيبة الصغيرة التي تحملها وترتديها."كنت هتضحكي عليا دلوقتي" تقولها لتفسها وتبتسم و قد بدأت ترتاح و تتذكر كيف كانت تسخر من الأطباء و من إصرار أختها الغريب علي أن تجري فحوصات دورية مثلها. "عايقة و متضايقة و عمري م أخدت حياتي جد و وجع دماغ" تقولها و هي تتذكر ماكانوا يقولونه عنها وعن شعورها ثم تستكمل صعود السلم. "سيبتلك الحياة الجد و النجاح و كنت دايما وراكي يا بدور..." تصمت لحظة و قد وصلت للباب العتيق ذو الفلقتين المميز لشقتهم القديمة. بدأت تتعامل مع الباب الخارجي الذي وضع حديثا ذوالأعمدة المعدنية الفولاذية للتأمين بعد محاولة السرقة الأخيرة التي حدثت قبل عام. "حرامي غريب دخل من الباب بدون أي عنف و قلب المكان و مشي منغير ماياخد حاجة" تفتح الباب العتيق و تتمتم"زمن تايه ومتوه الناس" و تخطو للداخل و تهب مع فتح الباب تلك الرائحة الممييزة للمنازل القديمة رائحة الذكرايات. تدخل الي تلك الشقة الخمسينية التصميم.أريعة غرف نوم و ابوابها تفتح علي حجرة السفرة و يفتح باب الشقة من زاوية لغرفة الإستقبال "الأنتريه" تفصله ترقة ذات فرعين فرع يؤدي للحمام و المطبخ و غرفة المعيشة و الأخر للسفرة وغرفة مكتب و المكتبة. تتفقد ألأثاث المغطي بالقماش و قد بدا كوحوش أسطورية تستعد للإنقضاض من تأثير الظلال و ضوء القمر البدر المتسلل من أحد الشبابيك التي نسوا إغلاقها في أخر زيارة. تضيء الأنوار فتختفي معها الأوهام فتبتسم في عصبية." شكلي هفضل أخاف من الضلمة طول عمري" تقولها ثم يقشعر جسدها و هي تتذكر ذلك الوجه البشع المظلم ذو الأنياب و الأعين الحمراء كلهيب النار وهو ينظر إليها بإبتسامة وحشية وهي تفقد الوعي ثم تجاهد لتنساه. "كابوس" تقنع نفسها بذلك فعقلها كان مرهقا بشدة و ذلك لم يكن سوي تنفيس للشحن العصبي ورغم ذلك كانت تشعر أنه وجه مألوف. تنفض الفكرة و هي تردد"مش وقته مش وقته" وتتحرك بسرعة داخل الشقة إلي حجرتها هي وبدور القديمة لتنفذ ماجائت من أجله. تنفيذ طلب أختها بدور الأخير
........................................................................................................................................................
يشد قامته يقف بهدوء اﻷن وسط الجزيرة تحت القمر الكامل و هو يحلل الموقف من زاوية مختلفة و يصفي ذهنه." البوابات مرتبطة بأطوار القمر فهي تمثله" يقولها و هو يراجع أساسيات كل ما يعلمه. "مع أول إلتقاء مع نقط اﻷلم المكونة للبوابات حدث إنفصال غير متوقع بيني و جانبي اﻷخر و بما أن مجموع طاقاتنا مستلزم ﻹتمام العبور فلم يعبر أيا منا و علقت أنا هنا" يقولها و بدأ يبتسم في هدوء ويرمق الدماء التي تغطيه و هي تتبخر في العدم. " و ما افقده من مادية يكتسبه هو وبالتالي دمائى تغذي ظهوره بشكل مادي فيتحرر أينما كان من ذلك الفخ المعقد" يستعيد قدر من حركته و ترتسم إبتسامة ظافرة لتحسن وضعه"لكنه في الحقيقة لا يسعي لذلك في اﻷساس". ترتسم إبتسامة شبه خبيثة علي وجهه و هو ينظر للموجودات حوله ثم يرفع نظره للقمر الأزرق و يقول بهدوء "أنت هنا". تبدأ الموجودات حوله باﻹرتجاج و التغير و لم يغير وقفته و يقول بهدوء " مممم إصرار علي اﻹستمرار.... هائل لم أتوقع أقل من ذلك". يشع ضوء قوي يغمر الموجودات و كل شىء يتحرك بسرعة وقوة كأنه بداخل إعصار فيصرخ في قوة " مهما فعلت لن أيأس يا هذا". يقولها و قد غمر قلبه بعض من الشك فكل جزء في جسده يشكوا من ألم شديد و تلوح في خياله إبتسامتها الجميلة فتثبته "لن أستسلم". ثم يسكن كل شيء.
........................................................................................................................................................
تتأمل سحر وجه هلال و هو يغط في النوم العميق علي ظهره بجوارها تلمس وجهه بحنان وتتأمل ردات فعله التي تبدو طفولية و تضحك بهدوء دون ان توقظه." ابني و انا بنتك وبابا وانا مامتك" تقولها و تشعر بها فهما روح واحدة إنقسموا لجسدان ليصارعا معا العالم و الظروف . "شكلك تعبت قوي يا حبي" تنظر له بإشفاق وحب ام وأخت و حبيبة و زوجة فهي من تبقت له في هذا العالم وهو رغم ذلك كان دوما لها كما هي له. "نفسي أشوفك مبسوط دايما وأحققلك حلم اﻷسرة اللي نفسك فيه" تقولها و هي تتذكر مشاويرهم العديدة للأطباء بحثا عن حل لعدم إنجابهم حتي الأن. فهما من الناحية العضوية بخير وعدم إنجابهم سببه مجهول. " مقولتش حاجة ولا إشتاكيت سكت و كنت دايما بتضحك وعامل مش همك بس انا حاسة بيك و بضحكك علشان متزعلش" تصمت قليلا و تنظر إليه و هو ينقلب لليمين ليواجهها ثم تتعالي أنفاسه و قد تعري كتفه من الغطاء. تغطيه و تلمس خده برفق و تفكر " من ساعة ما ماتت ماشوفتكش بتضحك من قلبك غير بالعافية" تصمت أفكارها للحظة ثم تعود للتفكير. "إنت كمان بتضحك علشاني، خايف إني أغير منها" تمتليء عينيها بدموع مكتومة و تكمل "بس يا هلال إنت ناسي إني انا كمان بحبها قد إيه، أنا خسرت أكتر واحدة كانت فهماني وساكتة علشانك". يتغير و جه هلال كمن يشعر بالإنزعاج ثم ينقلب للجانب الأيسر. تستعيد سحر تماسكها و تبتسم وهي تتنهد تنهيدة عميقة و تفكر "بس يا هلال أنا إن شاء الله هبسطك قريب" ثم تحتضنه من الخلف فيتنبه هلال قليلا و يقبل يديها و يجعلها تحيط به من خصره و قد نام ثانية. فتهمس سحر بأذنيه برقة و بكل حب "بحبك". و يغطان بعدها في نوم عميق
........................................................................................................................................................
ترجع هالة بالذاكرة لبضعة أيام. فبعدما تعافت نسبيا زارها حسام محسن إبن بدور الأكبر و معه ما يشبه خريطة صغيرة لشقة شبرا القديمة. "ماما هالة فاكرة ديه؟" كانت تلك الخريطة أول عملية رفع كما يسميها المعمارين لتصميم مكان قام بها حسام في أول سنة له بكلية الهندسة. تبتسم هالة و هي تتذكر أنها قد كافـأته يومها بخمسة جنيهات كاملة وهو كاد يطير من الفرحة فمبلغ كهذا في أوائل التسعينات يكاد يساوي 300 جنيه أو أكثر بمقياس عام 2015. تداعبه هالة بوجه بشوش ومرهق هي تقول "إيه عايز خمساية تانية ولا إيه؟" فيبتسم و قد تذكر"ياه يا ماما إنت لسة فاكرة" ترد وقد تغيير وجهها بشكل كوميدي و بصوت به رجفة خفيفة بحكم السن " ليه فاكرني عجزت و خرفت. إياك تفتكر إنت اللي عجزت مش أنا" فيضحكان معا و تسعل هالة قليلا. "بس مش ديه كانت مع ماما بدور وقالت هتشيلهالك تذكار علشان توري إبنك خيبيتك التقيلة". ينظر حسام للأرض و قد أطل الحزن من عينيه وقال " ماما بدور شكلها كانت عارفة......" و بدأ ينهمر خط من الدموع علي وجهه قوي القسمات لكن سرعان ما تماسك عندما لمح التأثر علي وجه هالة. ثم قال"ماما بدور كانت بعتالي الرسمة في جواب و معاها كلمتين إني أسلمهالك و إنت هتفهمي"."سيبي وانا أسيب....ياه يا بدور" تقولها و هي بداخل حجرة النوم التي تحتوي علي سرير ذو طابقين علي اليسار كانتا تنامان عليه ."سيبي و انا أسيب" كانت مكتوب علي خريطة البيت و علامة إكس صغيرة فوق مكان حجرة النوم. تقترب من صندوق قديم مترب كصناديق الكنز لدي القراصنة. "حبيبتي يا بدور فاكرة خناقتنا علي العروسة الفرنساوي اللي تيتة جابتهالنا" تقولها و هي تنظر إلي تلك العروسة البيضاء البشرة و الشعر الأسود المجعد و العيون الزرق "ياااه لسة زي ما إنت و تجد بجوارها ورقة رسم و ألوان و مفتاح غريب منقوش عليه هلال صغير و جواب أخر بخط يد بدور. وفي داخله مكتوب ."في دار القمر وديها ولما يجي ساعديه و سلميه المفتاح و بأسفل الخطاب 666 متكررة. و مرفق صورة لشاب ذو نظارات وفتاة مليحة ممتلئة يبتسمان و معهم بدور. "حاسة إني أعرفه الشاب ده ممكن يكون من تلامذتها" تصمت للحظة .بعدها تقول و هي تنظر للعروسة "بس دار القمر معروف" و تضحك و توجه كلامها للدمية الكبيرة "أكيد لسة فاكره". تدخل المكتبة المتوارثة من جدهم "فاكرة أكيد إحنا سميناها ليه كدة؟" تشع عينيها سعادة و هي تتذكر" علشان ده كان المكان اللي بدور دايما بتكون قاعدة فيه، بدور القمر و ده بيتها" تدور بالعروسة في فرح لا يليق بمن في الثمانين. فرح طفولي و هي تحتضن تلك الدمية و تقول لها"لونا إدوارد وحشتيني قوي"تتناول الدمية بفرح التي تكاد تنطق من جمال تفاصيلها و تلقي بالورقة و الألوان ولم تلقي بالا لهما فقد إنشغلت بدقات الساعة و قد أصبحت الثانية عشرة من منتصف الليل. و مع تسلل شعاع البدر الكامل في تلك الليلة و دقات منتصف الليل، غرقت هالة في بحر من الذكرايات وضاعت فيه و قد خدرها النعاس ونامت ولم تنتبه أن الورقة و الألوان لم يعودا في الغرفة فقد إختفيا. إختفيا تماما و للأبد.
........................................................................................................................................................
الجزء السادس والأخير من الفصل الثاني
"لونا هانم فوقي"
يكررها عوض و هو يمسح وجه لونا من أثار الدموع. يحملها عوض وهو الخادم ذو الأربعين
عاما القوي البنيان كحائط ضخم مبني من العضلات المتناسقة. هو الذي ولد وعاش في بيت
أل فرانسيس كما عااش ابواه وجده. يحمل لونا وقد مال وجهها نسبيا للصفرة من برودة
الجو و سال قليل من لعابها في خط يصل لرقبتها و هي غارقة في ثبات عميق تكاد لا
تتحرك."يا ست لونا هانم والله مكانش قصدي" يغالب البكاء و هو ينظر لهذا
الملاك الصغير النائم بين يديه و يقول لنفسه "شكلي زودت المخدر رغم إني متأكد
اني مخففه". تفتح لونا عينيها بصعوبة و سرعان ما تغلقهما لتغفو لحظات و
تستفيق بين نهنهات متكررة و دموع. وهو ينظر لها. تفتح لونا عينيها و تستفيق جزئيا
و تري و رأسها مأل ملامح الحجرة التي هي بها فهي حجرة أبيها و أمها و تسمع صوت
بكاء صامت و تشعر بشخص ما يحملها. فتلتفت
و تستوعب ببطء أنه عوض ثم يتحول تعبير وجهها من عدم الإدراك و التعب الي أعتي
إمارات الهلع و قبل أن تبدأ بالصراخ يغلق عوض فمها بحزم فتقاوم و هي تبكي بوهن. يرجوها عوض و يقول" ست لونا هانم أرجوكي
سيدي إدوارد موصيني" و يخرج صورة صغيرة كان يخفيها بين ملابسه له و أبيها و
هم صغار فتهدأ في حذر. " أنا و سيدي إدواد متربيين سوا متخافيش" يقولها
و يدور برأسه أنه ينافي المنطق بما يقول فاسيلفيا عمتها و هي الأقرب و قد فعلت ما
فعلت فكيف للونا أن تثق بغريب خدرها منذ دقائق. "مصدقاك " بكل برائة
الدنيا تقولها فلا تزيده إلا بكاءا فتلمس وجهه و تربت عليه و تقول"متعيطس عمو
عوض" ثم تقول "بابي قالك إيه" وقبل أن ينطق يسمع ذلك النداء الذي
ينتمي لشيطانة بأسفل درجات الجحيم تعوي صارخة بإسمه."سيلفيا" يقولها و
تتغير معالم وجهه بين غضب مكتوم و قلق. "أكيد عايزة رسمتي" تقولها لونا
و تنظر في كل مكان حولها "بس هي فييين؟؟"
........................................................................................................................................................
"لأ الموضوع ده
ماإنتهاش كده" يقولها و يتذكر المصير الفعلي لتلك الرسمة المحبوس بداخلها. بينما
تتزايد حدة الضوء والحرارة والألام "الرسمة ماأتحرقتش" يقولها و يصرخ
بصوت مرتفع بجسد يوشك أن يتمزق.
ثم توقف كل شيء و إستعاد قدرته علي الحركة كاملة
بينما يتعالي ذلك الصوت الرتيب كخبطات متكررة هادئة كأنها تصدر من كل مكان.
"البحر، السحاب، كله بقي......طبيعي" يقولها و هو يتلفت يسارا و يمينا و
صوت الطرقات يتعالي. فما أن يعود برأسه
يسارا حتي يري ذلك الرجل المتشح بالسواد قد ظهر من عدم و تلك الطرقات لم تكن سوي
تصفيقاته التي توقف عنها ما إن رأه. صقفة و احدة يصفقها و هو ينظر إليه و قد علت
وجهه أقصي علامات السخرية و كللت بإبتسامة مستفزة و هو يقول "برافو". رغم
مظهر ذلك الرجل الطبيعي الذي يرتدي بذلة سوداء شديدة الأناقة و شعره الأسود الناعم
الذي يتخلله خصلتان رماديتان والمصفف للخلف بعناية. فقد إنتابه شعور غريب من
الألفة و النفور الشديدين عندما رأي ذلك الرجل الذي ينظر إليه الأن بسخرية و يتقدم
ناحيته بهدوء. تتضح ملامحه أكتر و تلك اللحية المحددة القصيرة تضفي عليه جلالا و
رهبة غريبة و يبتسم له وهو يلمح نظرات الإستعجاب علي وجهه و هي تتحول إلي ذهول.
"مش.." يقولها الرجل و هو يلمح الأخر المتشح بالسواد الذي سرعان ما لمعت
عيناه بذلك البريق الأحمر الكريه و المخيف و هو يكمل الجملة الناقصة "ممكن
صح؟". ثم يبتسم وهو يقول "إيه مش عاجبك اللي إنت شايفه" يقولها
الرجل ذو الملابس السوداء "ده حتي كده إحنا نسخة من بعض يا أخي". يقولها
و الأخر ينظر إليه فهو متطابق معه في كل شيء ماعدا طول الشعر و تصفيفته و اللحية
الخفيفة و يبدو قوامه رياضيا أكثر. "مش عاجبك الشكل ده ولا إيه.....قولي إنك
مش راضي؟" ثم ينفجر ضاحكا " لأ والنبي قول". ثم ينظر له نظرة
متحدية و ساخرة " ساكت ليه؟.. مش ده اللي كنت نفسك فيه " ثم تحرك بسرعة
كما لو كان إختفي ليظهر بجوار نسخته الأدمية ليهمس بأذنها و لم تفارقه الإبتسامة الساخرة
و يقول "أنا أسوء كوابيسك حيا. أنا أعمق رغباتك متجسدا، أنا أرذل صفاتك وشهواتك،
أنا اللي بتخبيه عن كل الناس حتي عن عقلك.....أنا نفسك"
........................................................................................................................................................
تذكر ذلك كله وهو يخرج
ذلك الصندوق الأسود الصغير ويعطيه للونا بعد أن حكي لها بإختصار عن رغبة أبيها أن
تحصل عليه "كده فاضل دفتر المذكرات يا ست لونا هانم وتبقي وصية سيدي إدوارد
الأولي كملت" تلمع عينيها ببرائة وهي تنظر إليه وبلهجة السؤال تحدثه
"بابي....؟!!" فيطبط علي رأسها وهو يغمض عينيه ليوقف الدموع ويستدير وقد
عقد العزم. وقبل أن يقتح عينيه تبادره لونا بتعجل الأطفال المعتاد "كتاب بابي
ورسمتي ياعمو عيزاهم". فيأخذ نفس عميق ويرد وهو مستدير"متخافيش ياست
لونا هانم" ويفتخ عينيه ببطء ويردد "متخافيش". لم تكن عينا عوض كما
كانتا فقد تحولتا تماما وهو يقول "هجيب الرسمة وكتاب بابي في أمان". نطق
ذلك بعينين لم يعدا ينتميان للصديق و الخادم المستسلم المخلص وهو يتذكر وصية إدواد
الثانية الغامضة. يتذكر بعينين ينتميان لقاتل محترف.
.........................................................................................................................................................
ينتفض صديقنا مبتعدا
عن ذلك الكيان الأسود وقد إستفاق من ذهوله الشديد مما يراه. و يفكر "إنه
يشبهني تماما....كلا إنه يماثلني في أفضل هيئة وددت أن أكون عليها و لم
أقدر". ثم يفكر "يوجد هدف وراء إخفاء وجوده وخدعة أسري بداخل
الرسمة" تلمع عيني ذلك الشيء المتجسد كشبيهه ببريقها الأحمر وهو يبتسم بسخرية
سرعان ما تتحول إلي ملل ويقول وهو يعبس في الرمال بقدمه ويشوطها "طب هنهري
كده كتير صدقني مش هتسمع رد" فيتعجب صديقنا وهو ينظر لذلك الكيان و يقول
"هه؟". فإستطرد وقد رفع يديه " ببساطة عقلك مش لاقي إجابة وانا مش هرد". بهت وهو
ينظر لذلك الشيء الذي أمامه وقبل أن يتكلم بادره بالرد وهو يتحرك أمامه ببطء وبطريقة
مسرحية. يحرك ذلك الكيان يده ويقول "المفروض إنك كنت بتهري مع نفسك" ثم
يتوقف ويشير لنفسه و يقول" أنا نفسك بتدور فين؟" يتوقف ثم يبتسم بخبث وسخرية"
قلب ماما صحيح نسيت متبقاش إنت لو مهنجتش
شوية. إنت هتهنج شوية عقبال ما تتعود ما إنت ياما قولتلي بلاوي" ثم يغير لهجته لصورة أكثر جدية "إسال بصوت عالي يا..." ثم يضيق
عينيه بخبث و يقول " ياتري إنت عارف إسمك إيه؟ أو بالأصح فاكره؟" ثم
ينظر لنسخته الأدمية وينفجر ضاحكا ولذة الدنيا كلها تبدو علي وجهه وهو يرمق
تعبيرات وجهه الحائرة. بينما يعصف الهواء بملابسهما وصدي الضحكات يعوي يعصف برأس
صديقنا سؤال المفترض أنه من المسلمات "ما إسمي؟"
........................................................................................................................................................
يغادر عوض الغرفة حيث
ترك لونا وقد قاربت الساعة علي الواحدة من بعد منتصف اليل ونزل للأسفل حيث غرف
الخدم ويلمح سيلفيا. ينظر إليها وهو يمر بسرعة وهي منهمكة في لذة سادية تحطم صور
أخيه إدوارد بعد أن جمعتها بوسط مكتبه تمهيدا لحرقها مع بعض المتعلقات الأخري.
"فرحة الدنيا في عنيها بنت ال(...)، عيب والله أشتم أهلها
خيرهم عليا". يقولها في سره ثم يتحرك في خفة لا تتناسب مع طوله وتركيبه
العضلي الضخم لكن بمعجزة ما هو ناجح في ذلك. رغم السنين لم ينس عوض سنوات الخدمة
في الجيش ومازال يمارس تلك التدريبات المضنية الخاصة باللياقة والفنون القتالية مع
نفسه. وحديثه دائما مع من يسأله أن ذلك أفضل ما خرج به ولا يريد أن يفقده. يدخل
إالي حجرته البسيطة المكونة من صندوق بضائع قديم ورثه من جده وقد تحول الي مايشبه
الكنبة بعد أن وضع عليه مجموعة من الألحفة القديمة. مجموعة من المسامير تعمل محل
الدولاب علي الحائط الأيسر، خرق بالية علي الأرض تعمل عمل السجاد مع بعض من فراء
الخرفان المدبوغ. وفي الركن مجموعة من الأرفف تحمل مجموعة من الأطباق والحلل
المتنوعة و بجوارهم "سبرتايه" عتيقة وعلي الأرض يقبع وابور الكيروسين
الكبير وهو يعمل كموقد بوتجاز أحيانا وأحيانا أخري مدفئة. "الحمدلله نعمة
عارفين قيمتها أحسن من غيرنا اللي الجشع عماه" يقولها و لسان حاله يتعجب من
سيلفيا. "قتلت أخوها ومراته و عايزة تجنن بنته بأنها تنسيها إنها بني أدم
علشان تفقدها الأهلية و تورث!!! لا حول ولا قوة إلا بالله" يقولها و هو يزيح
تلك الألحفة القديمة ليسهل حركة الصندوق العتيق. يحركه وهو يبذل مجهود واضح فهو
يحمل متعلقات جيلين من أسرته. سرعان ما يثمر مجهوده و تظهر تلك البلاطة المخلخلة.
كعادة بعض أسر الصعيد القديمة دائما يوجد مخباء للأشياء المهمة في البيت و هذا
المكان بالذات كان أباه قد أعده لإخفاء قطعة سلاح وبعض المال. يرفع البلاطة و يجلب
من التجويف المفرغ تحتها ذلك الصندوق الحديدي الصديء ويفتحه ليخرج دفتر المذكرات
الصغير والسميك. ذلك الدفتر ذو الغلاف الجلدي الأسود والمرسوم عليه مجموعة من
الأقمار في أطوارها المختلفة سرعان ما يدسه تحت ملابسه. ثم يعيد كل شيء لمكانه
ويغادر الغرفة ليسرع للأعلي حيث غرفة لونا و في رأسه هدف واحد إيجاد الرسمة. وبينما
هو غارق في البحث بداخل غرفة لونا المضائة بضوء القمر. يلمح طرف تلك الورقة بارز
من تحت إحدي الملايات المهترئة. فينحني ليحضرها ويمسكها في فرح وما إن ينتصب حتي
يأتيه صوت من خلفه خارجا من إحدي حفر الجحيم. "أهنيك يا عوض كنت جاية أخدها
برافوا مضيعتش وقت " تقولها سيلفيا في لهجة تشفي وسعادة بالغة. فيستدير فيلمح
السعادة ذاتها في عينها القاسيتين كاقطعتي ثلج زرقاون وإبتسامتها الأقرب للأفاعي و
هي تمد يدها إليه وفي لهجة آمرة لا تخلو من تعالي تقول له "هات الرسمة"
فيقبض عليها بقوة كأنه يتشبث بها فقد منح لونا كلمة. "هاتها يا عوض سمعك تقل
ولا إيه؟" تفولها سيلفيا و قد إرتفعت نبرة صوتها وبدأت تنظر للساعة "
الساعة ثلاثة يا عوض مش فاضية لمخك التخين عقبال مايترجم الكلام !! إخلص!!".
فيمد يده لسيلفيا بالرسمة فهو يعلم انه لو تأخر سيكون مصيره الطرد ولا يوجد أسوء
فهو أمل لونا الوحيد. فتمسكها منه بهدوء وتنظر للرسمة بإشمئزاز بالغ "مقرفة
قوي لدرجة إنها متستحقش الحرق" ثم تمزقها بهدوء وتلقيها في الهواء لتسقط علي
الأرض. "عوض نضف القرف ده، وبعدين روح جهز المتوحشة علشان ترجع هنا في
الزريبة" تقولها بكبرياء بالغ وإحتقار ثم تغادر الغرفة للأسفل. وقبلها تقول
في لهجة ذات مغزي"ممكن أحتاجك كمان شوية يا عوض فخليك صاحي". قد شارفت
الساعة علي الرابعة وقت الفجر، يفكر عوض في تلك الجملة وهو يعود بلونا و هي نائمة
لغرفة محبسها "شكلها ليلة للصبح من إياهم". وما إن يضع عوض لونا النائمة
أرضا علي فراشها ويخفي المذكرات والصندوق الصغير بجوارها في الفراش، حتي يدوي جرس
الباب في هدوء الليل. يغادر عوض ولا يلتفت ورأه وكره الدنيا يغلي دمائه. هذا الجرس
يعني شيئا واحد أو بالأصح شخص واحد قد يأتي لسيلفيا الأن وغد لا يقل عنها قسوة و
يفوقها ذكائا و ثرائا "سامر". الملياردير "سامر محسن".
........................................................................................................................................................
بينما يستمر هو في تكرار الجملة بشكل رتيب و
يبكي تحدثه بهدوء و ثقة "إنت عارف؟ مهما عملت ده هيحصل". يتباطء معدل
تكراره للجملة و يبكي أكثر. تتحرك مبتعدة وهي تتحدث بهدوء "حبيبة القلب إتأذت
كتيير قوي ومهما أنكرت كله بسببك". تقل نبرة بكائه وتزيد معدلات تنفسه كمن
ينهج. تستمر هي في الكلام "انا إنت، وإنت أنا، وأنا تعبت من ضعفك، وهبلك، ورومانسيتك
السخيفة، ومثاليتك المفرطة. إفهم مبتحبكش!!". تصمت لحظة ويقل حدة بكائه. تشير
بيدها اليسري فتتموج الرمال كرد فعل لتبني ببطء و من الأسفل 6 تماثيل لأصحاب الجثث
بشكلهم الطبيعي من دون تشويه و تواصل الحديث "معندكش أي دليل علي حبها ليك
وأكيد مش هتحبك قدي". يرتعش جسده ويرفع يده ويتأملها. "أيوه إنت بإيديك
ديه اللي بترتعش من الخوف والضعف دلوقتي عملت كده" تقولها وقد أمالت رأسها وشبكت
يديها. تصمت وتنظر إليه في تلذذ و هي تقول "وأنا ساعدتك". تلف في دائرة
في بطء وتكمل "كنت في قمة النشوي والسعادة إني هخلص من اللي إنت كبست علي
أنفاسي بسببها ولو كان بطريق غير مباشر". إكتمل بناء التماثيل الرملية خلفها
وبدأ الهواء الأسود حول يدها اليمني يأخذ شكلا ماديا بينما هي تتحدث. "إنت
عارف أنا وإنت ألد الأصدقاء وأعز الأعداء بينا حرب مستمرة وفترات هدنة بنفوت فيها
لبعض تقدر تقول نوع من التوازن بين الأبيض والأسود " يستطيل الشكل بييديها ويأخذ
لمعة معدنية فتقلبه في يديها وهو يتشكل في هيئة نصل. "الفكرة إن محدش فينا
أبيض بجد أو إسود بجد الإختيارات هي إللي بتحدد وبتقرر إيه تظهره أوتخفيه وإيه
تقويه أو تضعفه" تنطق بهذا بالكلام بينما يستطيل النصل و يتحول إلي سيف أسود
حاد و شديد اللمعان رقيق كالسيوف الصينية وأحاط يدها مقبضه الفضي المزخرف بنفس
المعدن الأسود الغريب. ثم يتشكل قفاز جلدي
سميك حول يديها الأثنان بينما يقل إرتعاش صديقنا ولكن دموعه لم تتوقف وهو مازال
جاثيا علي ركبتيه. " ذلك الجسد المادي الضعيف كنت راضية أقسمه معاك" تقولها
وهي تحرك السيف في الهواء الذي يبدو كما لو كان ينثني حول نصل السيف من شدة حدته. تتغير
تعبيرات وجهها للجدية تتوقف عن تحريك السيف وتستمر في الحديث "مين فينا
الفارس ومين فينا الحصان. عنوان معركة أبدية علي السيطرة والأرادة وكل واحد فينا
مستني فرصة يسيطر علي التاني". يتغير حذائها لآخر جلدي سميك يغطي ساقها
المكشوفة لما فوق الركبة بقليل وهي تنظر للتماثيل ثم تتحرك نحوهم بهدوء. فتقف
امامهم وتستمر في توجيه الكلام له " دول بوابات الألم الخمسة إللي بتحاول
تنهي بيهم تعاستك ولسخرية القدر أصبحوا السبب اللي خلاني أرفض ضعفك وأتحرر".
يلتمع السيف و قد أحاطه نفس الهواء الأسود وتشير به للتماثيل وتقول" أنا إتحررت
ومش مستعدة أخسر حريتي". بدأ ليل هذا المكان يتغير تدريجيا كما لو كانت ستشرق
شمس من عند الأفق "الفكرة إنك خايف، خايف تاخد سكة الخلاص، وبتخفي ده ورافض
تواجهه". تتحدث في لهجة غاضبة وتقول "إنت
أجبن من إنك تنفذ خطتك". تلتمع عينيها بشدة بذلك البريق الأحمر وهي تقول بكل
كره وحقد وذلك الهواء الأسود يحيطها ويعصف بملابسها وشعرها "الجبان ميسيتحقش
يعيش". ثم تتبخر لتتجسد في الهواء فوقه تماما ويدها تهوي علي رأسه بالسيف
لتزيحها. وبكل قوة وعنف تقع علي الأرض فلقد إختفي هو من مجال ضربتها تماما.
........................................................................................................................................................
"صباح الخير با أحلي حبيب في
الدنيا" تقولها سحر لهلال في حب وهو جالس يحتسي القهوة الصباحية في تمام
الساعة الخامسة والنصف صباحا وقد بدأ روتينهما اليومي المعتاد. تتحرك سحر في خفة
للمطبخ تعد إفطارا سريعا تأخذه معها للعمل فقد أدركت أنها تأخرت في النوم وهلال لم
يوقظها كعادته ."زبطت إنت نفسك و مصحيتنيش معاك ينفع كده" تقولها سحر في
غضب مفتعل لايخلو من مرح ثم تتجه للحمام بسرعة. فيجيب بنصف عقل" سيبتك ترتاحي
يا حبي شوية وكنت هقومك" ثم تجيبه بصوت عالي وهي قد فرغت من غسل وجهها وهي
تقول بمرح "ياسلااااام بإمارة إني قمت لوحدي". يتناول فطيرة صغيرة مع
قهوته المركزة ويجيبها "صدقيني والله" وينظر إلي تلك اللفافة ويفكر في أحداث الليلة
الماضية. مصطفي كان يرتعد ويحاول أن يبدو متماسك أمامه ولسبب ما لم يفهمه تماما.
فالفافة كانت تحتوي على كتاب جلدي مما كان موجود بمنطقة الشرق الأوسط مابين عام
600 و 1000 ميلاديا. فقد إسنتج ذلك من نوعية البردي والجلود المستخدمة وإسلوب حياكة
الغلاف وبعض الصفحات. مصطفي كان يريني داخل الكتاب ما يفهمه كفلكي وصف هندسي مرسوم
لبعض المجموعات النجمية بدقة وخرائط تساعد علي توقع منازل القمر والخسوف والكسوف
وإن كان ذلك لم يثير إهتمامي للدرجة. فالكتاب نفسه عبارة عن دفتر قصاصات عتيق
بمعني الكلمة. قصاصات ورسومات من برديات بالهيروغليفية ورقاع جلدية منظوم عليها
أناشيد كلتية. رسوم تشريحية للجسم البشري ونقاط الطاقة "التشاكرا" وشرح
بصينية عتيقة مترجمة بحواشى عربية وكتابات أخري أرامية وعبرية منزوعة نزعا من كتب
أخري. ما أثار فضولي هو ذلك الكاتب العبقري لحد الجنون الذي جمع كل هذا في تسلسل
منطقي وكانه يجيد كل تلك اللغات وبطلاقة. الأسوء انه رسم وكتب وعلق بإستخدام شفرة
لغوية لم أستطيع أن أفك منها حرف واحد. المخيف في الموضوع أنني كنت أري بداخل كل
صفحة بين الحسابات الفلكية والشرح ورسومات المباني وشفرته المعقدة تلك القصاصات
الجلدية التي أكاد أجزم أنها من "كتاب الأقمار" سيء السمعة. ذلك الكتاب
الذي لا توجد له سوي ترجمة لاتينية ركيكة لما إحتوي من تعاويذ لإستخدام طاقة القمر
و طقوس الإستدعاء ومنها ترجم لإنجليزية أسوأ. لكن اللغة التي كتبت بها الحواشي
الخاصة "بكتاب الأقمار" لم تكن لاتنية إنما خليط غريب من الكثير من
اللغات الشرقية المندثرة. رغم عدم إيماني بما يحتويه من هراء وكذللك معظم
المعتقدات الدينية القديمة. إلا إن ما جعلني أقشعر هو القطط التي صمتت ما إن فتحنا
الكتاب. و جلست تحملق فينا في سبات وبمجرد أن لاحظنا الصمت وإلتفتنا لهما وطرفت
أعيننا أختفت كما لم تكن هناك. ومعها أثارها كاملة وإن ظلت صورة ذلك القط الأسود تطاردني في
طريق عودتي. فوالله أكاد أجزم أنه إبتسم قبل أن يختفي بلا أثر. "الكتاب ده
هيحتاج كذا واحد يساعدنا فيه" يتذكر كلامه لمصطفي قبل أن يغادره" ميين
يعني؟" فرد عليه "محتاجين خبرة سحر وعايزين خبيرة لغات شرقية قديمة أحسن
مني ومهندس معماري وأنا أعرف حد هيفدنا في الإتنين". ينهي هلال قهوته وقد
إستفاق من ذكريات اليللة الماضية ومازالت سحر تنهي إرتداء ملابسها. "سحر
هسبقك تحت أجهز العربية ماشي؟؟" يقولها و قد قام يتناول المفاتيح فتحيبه بصوت يبدوا متحشرجا قليلا
"مماشي" فيقف و يسألها "سحر مالك؟". فتجيبه بسرعة و بلهجة
هادئة غير معتادة وإن كانت مرحة كعادتها "شرقت بس إطمن". يجيب "طب
يا حبي سلام عليكم وخلصي بسرعة" ويفتح
هلال الباب بعد أن أجابته السلام وقد إطمئن و بينما هو ينزل السلم يتردد في ذهنه
إسم تلك الخبيرة و أستاذته هو و زوجته "بدور" دكتورة "بدور
بدران".
........................................................................................................................................................
........................................................................................................................................................
وبينما هلال يعد
السيارة كانت سحر تتعافي ممما كانت تعاني منه. فلقد ذهبت للحمام بعد أن فاجأتها
نوبة قيء شديدة. وعادت للغرفة وجلست لشعورها بدوار شديد."محبتش أقوللك بس
يارب يكون خير يا هلال" تقولها ووجهها مبتسم. تتجه لغرفة المعيشة "وتقول
يارب أبسطك ياهلال وأشوفك بتضحك بجد تاني يارب يطلع صح " تلتفت لمكان صورتها
هي وهلال مع تلك الفتاة دون أن تدقق فيها. " لو ولد هسميه نور أهو من ريحة
الإسم" ثم صمتت للحظة من جلال الفكرة علي نفسها "لكن لو بنت؟؟ هيبقي صعب
قوي أسميها علي إسمها" . تقولها وقد إبتسمت وهي تبتعد عن الصورة. "عايزة
أفرحه وخايفة أضايقه وفي حاجات كتيير ممكن تفتكرها بتفرح وهي بتضايق". تبتسم
و تتجه للباب وهي تقلب الإسم في رأسها. وورائها تبدو الصورة و قد تغيرت. فتلك
الفتاة لم تعد معهم في الصورة لسبب ما. فقد إختتفت كما لو كانت أزيلت منها. وبينما
تغلق الباب كانت الصورة إسودت تماما. إنهمكت تسمع سحر تستمع لهلال يحكي لها وهو
يقود عن ما حدث في اليلة الماضية. وأصبح
إسم الفتاة كصدي يدوي في زحام يوم أشرقت شمسه منذ دقيقتان. أسم يصف ضوء القمر فلقد
كان إسم الفتاة "ماهينور"
........................................................................................................................................................
"مصطفي باشا قووووم"
يقولها عبدالعزيز القهوجي وهو يهز مصطفي عبدالرحمن ليوقظه. فمصطفي نائم علي القهوة
في إمبابة منذ ليلة الأمس ووجه مختفي بين يديه. "مصطفي بيه الشمس بتطلع
الدنيا كلها مستنيا قووووم" يقولها زيزو بمرحه المعتاد وإسلوب إبن البلد
الكوميدي." يا مصط..." لم يكمل الكلمة فمن قام أمامه لم يكن مصطفي
عبدالرحمن.ذلك الشيء الرهيب يبدو كمصطفي لكن العينان الواسعتان الحمروان كحفر من
الجحيم أصباه بالشلل. وقبل أن يستفيق من الصدمة كان عبدالعزيز القهوجي إنفجر في
صمت و تفتت أشلائه لجزيئات تحولت في أجزاء من الثانية للعدم. ثم تحرك ذلك الكيان و
قد إبتسم في ظفر مبتعدا في هدوء فالمعركة قد بدأت للتو و كل شيء سيحدث في النور.
30%
نهاية الفصل الثاني بحمدالله
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق